الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
الْقَرْضُ فِعْلُ خَيْرٍ، وَهُوَ أَنْ تُعْطِيَ إنْسَانًا شَيْئًا بِعَيْنِهِ مِنْ مَالِك تَدْفَعُهُ إلَيْهِ لِيَرُدَّ عَلَيْك مِثْلَهُ إمَّا حَالًّا فِي ذِمَّتِهِ وَأَمَّا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْقَرْضُ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ وَتَمْلِيكُهُ بِهِبَةِ أَوْ غَيْرِهَا سَوَاءٌ جَازَ بَيْعَةُ أَوْ لَمْ يَجُزْ لأََنَّ الْقَرْضَ هُوَ غَيْرُ الْبَيْعِ، لأََنَّ الْبَيْعَ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِثَمَنٍ، وَيَجُوزُ بِغَيْرِ نَوْعِ مَا بِعْت. وَلاَ يَجُوزُ فِي الْقَرْضِ إِلاَّ رَدُّ مِثْلِ مَا اُقْتُرِضَ لاَ مِنْ سِوَى نَوْعِهِ أَصْلاً وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَشْتَرِطَ رَدًّا أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ، وَلاَ أَقَلَّ، وَهُوَ رِبًا مَفْسُوخٌ، وَلاَ يَحِلُّ اشْتِرَاطُ رَدِّ أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ، وَلاَ أَدْنَى وَهُوَ رِبًا، وَلاَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ نَوْعٍ غَيْرِ النَّوْعِ الَّذِي أَخَذَ، وَلاَ اشْتِرَاطُ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَلاَ اشْتِرَاطُ ضَامِنٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ. وَلاَ خِلاَفَ فِي بُطْلاَنِ هَذِهِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي الْقَرْضِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّأْيِيدُ. فَإِنْ تَطَوَّعَ عِنْدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ بِأَنْ يُعْطِيَ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ، أَوْ أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ، أَوْ أَجْوَدَ مِمَّا أَخَذَ، أَوْ أَدْنَى مِمَّا أَخَذَ، فَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ مُسْتَحَبٌّ. وَمُعْطِي أَكْثَرَ مِمَّا اقْتَرَضَ وَأَجْوَدَ مِمَّا اقْتَرَضَ مَأْجُورٌ. وَاَلَّذِي يَقْبَلُ أَدْنَى مِمَّا أَعْطَى، أَوْ أَقَلَّ مِمَّا أَعْطَى مَأْجُورٌ. وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عَادَةً أَوْ لَمْ يَكُنْ، مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ شَرْطٍ، وَكَذَلِكَ إنْ قَضَاهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَلاَ فَرْقَ: فَهُوَ حَسَنٌ مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ شَرْطٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَمُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ:، حَدَّثَنَا خَلَّادٌ، وَقَالَ مُوسَى:، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ثُمَّ اتَّفَقَ خَلَّادٌ، وَوَكِيعٌ، قَالاَ:، حَدَّثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ لِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنًّا فَأَعْطَاهُ سِنًّا فَوْقَ سِنِّهِ وَقَالَ: خِيَارُكُمْ مَحَاسِنُكُمْ قَضَاءً وَهُوَ قَوْلُ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَضَانِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَزَادَنِي نَحْوًا مِنْ ثَمَانِينَ دِرْهَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَقَاضَيْت الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ دَيْنًا لِي عَلَيْهِ فَوَجَدْته قَدْ خَرَجَ مِنْ الْحَمَّامِ فَقَضَانِي وَلَمْ يَزِنْهُ، فَوَزَنْته فَوَجَدْته قَدْ زَادَنِي عَلَى حَقِّي سَبْعِينَ دِرْهَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً قَالَ لأَبْنِ عُمَرَ: إنِّي أَسْلَفْت رَجُلاً سَلَفًا وَاشْتَرَطْت أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْته ; فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: ذَلِكَ الرِّبَا، ثُمَّ ذَكَرَ كَلاَمًا وَفِيهِ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ: أَرَى أَنْ تَشُقَّ صَكَّك فَإِنْ أَعْطَاك مِثْلَ الَّذِي أَسْلَفْته قَبِلْته، وَإِنْ أَعْطَاك دُونَ مَا أَسْلَفْته فَأَخَذْته أُجِرْت، وَإِنْ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْته طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ، فَذَلِكَ شُكْرٌ شَكَرَهُ لَك وَهُوَ أَجْرُ مَا أَنْظَرْته. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: اقْتَرَضَ مِنِّي ابْنُ عُمَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَضَانِي أَجْوَدَ مِنْ دَرَاهِمِي، وَقَالَ لِي: مَا كَانَ فِيهَا مِنْ فَضْلٍ فَهُوَ نَائِلٌ مِنِّي لَك أَتَقْبَلُهُ قُلْت: نَعَمْ، وَلاَ يُعْرَفُ لِهَذَيْنِ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم إِلاَّ رِوَايَةً، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَسْتَسْلِفُ مِنْ التُّجَّارِ أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ يَكْتُبُ لَهُمْ إلَى الْعُمَّالِ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لأَبْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ وَحَكَى شُعْبَةُ: أَنَّهُ سَأَلَ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَمَّنْ اقْتَرَضَ دَرَاهِمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ خَيْرًا مِنْهَا فَقَالاَ جَمِيعًا: إذَا كَانَ لَيْسَ مِنْ نِيَّتِهِ فَلاَ بَأْسَ وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالاَ جَمِيعًا: لاَ بَأْسَ أَنْ تُقْرِضَ دَرَاهِمَ بِيضًا وَتَأْخُذَ سُودًا، أَوْ تُقْرِضَ سُودًا وَتَأْخُذَ بِيضًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا قَطَرِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الأَشْعَثِ الْحُمْرَانِيِّ قَالَ: سَأَلْت الْحَسَنَ فَقُلْت: يَا أَبَا سَعِيدٍ لِي جَارَاتٌ وَلَهُنَّ عَطَاءٌ فَيَقْتَرِضْنَ مِنِّي وَنِيَّتِي فِي فَضْلِ دَرَاهِمِ الْعَطَاءِ عَلَى دَرَاهِمِي قَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ إذَا أَسْلَفْتَ طَعَامًا فَأَعْطَاكَهُ بِأَرْضِ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ عَنْ شَرْطٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ. وَهُوَ كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَأَجَازَ مَالِكٌ: أَنْ يَرُدَّ أَفْضَلَ مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ عَادَةٍ، وَلَمْ يُجِزْ أَنْ يَرُدَّ أَكْثَرَ وَهَذَا خَطَأٌ، لأََنَّهُ خِلاَفُ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَوْرَدْنَا. وَأَمَّا فَرْقُهُ بَيْنَ الْعَادَةِ وَغَيْرِهَا: فَخَطَأٌ، لأََنَّهُ إنْ جَازَ مَرَّةً جَازَ أَلْفَ مَرَّةٍ، وَلاَ فَرْقَ، وَإِنْ كَانَ خَيْرًا فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فَالْإِكْثَارُ مِنْ الْخَيْرِ خَيْرٌ ; وَإِنْ كَانَ شَرًّا فَالشَّرُّ لاَ يَجُوزُ لاَ مَرَّةً، وَلاَ مِرَارًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ. وَأَمَّا مَنْعُهُ مِنْ رَدِّ أَكْثَرَ: فَقَدْ رُوِّينَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ إجَازَتِهِ الزِّيَادَةَ حَيْثُ هِيَ الرِّبَا الْمَكْشُوفُ الْمُحَرَّمُ، إذْ يُجِيزُ مُبَادَلَةَ دِينَارٍ نَاقِصٍ بِدِينَارِ زَائِدٍ عَلَيْهِ فِي وَزْنِهِ بِمُشَارَطَةٍ فِي حِينِ الْمُبَادَلَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الدِّرْهَمِ النَّاقِصِ بِالدِّرْهَمِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ فِي وَزْنِهِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ فَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا رِبًا ثُمَّ يَمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي قَضَاءِ الْقَرْضِ وَقَدْ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَضَّ عَلَيْهِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
|